هل تكفل تشريعات البلدان العربية حق العمال المهاجرين بالتنظيم النقابي؟
حجم العمالة المهاجرة
يمثل العمال المهاجرون في البلدان العربية ما يقرب من نصف القوى العاملة (قرابة 25 مليون عامل)، وفي الغالب يتم تجاهلهم من التنظيم النقابي بذرائع أنهم يهددون عمل العمال المحليين، غير أن الواقع يفيد أن العمال المهاجرين يمكن أن يشكلوا عامل قوة للنقابات إذا ما تم تنظيمهم، وفتح المجال لهم ليعبروا عن قوة التفاوض باسم العمال، ولن يكون هذا الدور فاعلاً خارج جسم النقابات التي تؤهلهم للدفاع عن مصالح العمال.
حقوق العمال المهاجرون مكفولة
كفلت صكوك واتفاقيات حقوق الإنسان الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بالنص حماية فاعلة لحقوق العمال المهاجرين بدءا من كونهم بشر (العهدين الدوليين وما تبعهما من اتفاقيات، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وغيرها) فضلا عن اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي اهتمت بتوفير الإطار القانوني لحماية الحقوق العمالية سواء بشكل عام أم العمال المهاجرين بشكل خاص (الاتفاقية رقم 29 الخاصة بالعمل الجبري أو الإلزامي، والاتفاقية رقم 189 والخاصة بالعمل اللائق للعمال المنزليين). وقد رتبت هذه الاتفاقيات التزامات دولية على الدول بما يجب عليها توفيره لدعم وحماية الحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات، و ضمان تمتع كافة الأفراد الخاضعين لولايتها بهذه الحقوق غير أنها حينما أعطت للدول الحق في تنظيم بعض الحقوق، كان هناك التباين والاختلاف في التشريعات والممارسات الوطنية، والذي اعتمد بالأساس على تفسير المشرع الوطني لهذه الالتزامات الدولية.
وضعية حقوق العمال المهاجرين في التمثيل النقابي في البلدان العربية
تباين تعامل تشريعات البلدان العربية مع حقوق العمالة المهاجرة في التنظيم النقابي والتمثيل داخل النقابات وفق مناهج مختلفة. فمن هذه البلدان ما لم يمنح العمال المهاجرين الحق في تأسيس نقابات، واكتفى بحقها في الانتماء للنقابات. ومنها من منح العمال كلا الحقين اللذين يجسدان الحق في التنظيم النقابي. ومن هذه البلدان من أنكر على العمال المهاجرين هذا الحق.
ففيما يخص الحق في تأسيس نقابة، منحت بعض البلدان العربية العامل المهاجر الحق في تأسيس نقابة كالقانون العماني (تعليمات وزير العمل القرار الوزاري رقم 570 لسنة)، القانون اللبناني (المادة 84 من قانون العمل لسنة 1946)، القانون اليمني (المادة 151 قانون العمل الرقم 5 لسنة 1995). وبالضرورة منحت هذه الدول الحق للعامل في الانضمام للنقابة. في حين أن هناك دول حرمت العامل من الحق في تأسيس نقابة، ومنحته الحق في الانضمام للنقابة كما هو الحال بالنسبة لقانون الأردني (المادة 98 من قانون العمل)، القانون البحريني (المادة 302 من القانون رقم 33 لسنة 2002)، القانون السوري (المادة /25/ من المرسوم التشريعي رقم /84/ لعام 1968، الخاص بالتنظيم النقابي)، والقانون المغربي (المادة 24 من المرسوم الملكي لعام 2013).
وعلى النقيض مع المعايير الدولية التي تكفل الحق في التمثيل والتنظيم النقابي، لم تنص بعض القوانين في بعض البلدان العربية على الحق في تأسيس والانضمام للنقابات كما هو الحال بالنسبة للقانون السعودي، والقانون القطري، والإماراتي، والفلسطيني. وبالمقابل هناك تشريعات عربية نصت على الحقين معاً في التأسيس والانضمام بحيث يتحقق للعامل المهاجر الحق الكامل في التنظيم والتمثيل النقابي، وعلى هذا المسلك جرى القانون العماني (المادة 108 من القانون رقم 35 لسنة 2003)، واللبناني (المادة 92 من قانون العمل لسنة 1946)، والقانون اليمني (المادة 151 من قانون العمل رقم 5 لسنة 1995).
ويبدو أن واقع التنظيم والتمثيل النقابي للعمال المهاجرين في الدول العربية ومواقف الحركة النقابية قد تمايز بين من يتبنى مواقف الحكومات وأصحاب العمل في نظرته إلى العمال على أنهم عمالة وافدة مؤقتة لا تشكل جزءا من القوى العاملة في البلاد، مما برر عدم تنظيمها، في إطار سياسات حمائية من هذه الدول تجاه هذه الشرائح من العمال. وبالنتيجة فان إهمال الحركة النقابية العربية للعمال المهاجرين أدى إلى إضعاف الحركة النقابية وتقليص تمثيلها بشكل كبير فضلا عن تجسيد عدم المساواة بين العمال. يضاف لذلك التحديات التي تم ملاحظتها بشأن تنظيم العمال المهاجرين، سواء فيما يتصل بظروف العمل وشروطها بما في ذلك إشكاليات نظام الكفالة والقوانين المفروضة ذات الصبغة الأمنية، فضلا عن حالة عدم التوازن التي تميل لصالح صاحب العمل، وكذلك مسائل الصرف التعسفي او الترحيل، وعدم تنظيم للقطاعات في كثير من الأحيان.
توصيات:
يمكن التأكيد على جملة من التوصيات والتوجيهات الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقابات وعن المنظمات الدولية المرافقة والمتسقة مع المعايير الدولية والتي تفيد: