من المغرب العربي إلى الشرق الأوسط، احتضن العمال العرب بشجاعة احتفالاتهم السنوية رغم الظروف غير المواتية. واتسمت الظروف السائدة بالتضخم، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، والقمع الشديد الذي واجهته العديد من النقابات العمالية. ويشكل هذا الواقع المؤلم تهديدًا خطيرًا لحقوق العمال العرب وإنجازاتهم التي حققوها بشق الأنفس. ويتفاقم الوضع في بعض البلدان حيث يعجز المشهد السياسي عن إيجاد حل، مما يفاقم معاناة العمال.
قصور السياسات الاقتصادية: حلول غير فعالة لإدارة الأزمات
في حين تؤثر الأزمة الاقتصادية العالمية على دول العالم، تكافح الحكومات العربية جاهدةً لتلبية الاحتياجات الملحة وحالات الطوارئ في الحياة اليومية. وقد أدى الارتفاع المستمر في التضخم، إلى جانب لجوء بعض الدول إلى قروض من مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي، إلى تعريض سبل عيش عدد متزايد من العمال العرب للخطر.
في تونس، تسعى الحكومة، رغم تصريحات بعض المسؤولين، إلى إبرام اتفاقها مع صندوق النقد الدولي رغم المطالب القاسية التي طرحها الصندوق في واشنطن. في بيانه الصادر بمناسبة الأول من مايو، انتقد الاتحاد العام التونسي للشغل بشدة إلغاء دعم المواد الأساسية (وهو إجراء يندرج ضمن الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي)، مذكرًا بأن هذا الإجراء قد يؤثر على الطبقات العاملة، بينما ستُلحق زيادة ضريبة القيمة المضافة ضررًا بالشركات الصغيرة والمستهلكين. ودعا المركز النقابي إلى مراجعة السياسات الاقتصادية للحكومة لحماية الفئات الأشد فقرًا والحفاظ على الاقتصاد الوطني. كما ذكّر الاتحاد بأن الحكومة، بهدف تلبية مطالب صندوق النقد الدولي تحديدًا، علّقت الحوار الاجتماعي، وجمّدت التوظيف في القطاع الخاص، وخططت لخصخصة بعض المؤسسات العامة، وأجبرت النقابيين على الصمت (عبر رفع دعاوى جنائية ضد بعضهم ومنع عدة إضرابات ومظاهرات) بذريعة حماية الإنتاج. وينطبق الأمر نفسه على مصر، حيث ندد مؤتمر العمال الديمقراطي المصري (EDLC) بـ”الإصلاحات الاقتصادية أحادية الجانب” التي تُفاقم معاناة العمال والطبقات الأفقر في ظل أزمة غير مسبوقة. وأوضح المؤتمر أنه في ظل انخفاض قيمة الجنيه المصري، وندرة المواد الخام، والتضخم غير المسبوق، يجد العمال المصريون أنفسهم عاجزين في مواجهة قسوة الحياة اليومية المتزايدة.
وفي موريتانيا، رحّب اتحاد عمال موريتانيا (UTM) “بالزيادات الأخيرة في الأجور التي أقرتها الحكومة، وتعميم الرعاية الصحية على فئات معينة”، لكنه أكد أن العمال الموريتانيين يتطلعون إلى الحصول على مزيد من الحقوق، لا سيما وأن “وضع الاقتصاد الوطني في تحسن مستمر”. ودعا الاتحاد الحر لعمال موريتانيا (CLTM) إلى مراجعة عاجلة “لسلم الرواتب والعلاوات ومعاشات التقاعد، بما يكفي لتلبية الاحتياجات اليومية للعمال وأسرهم الذين يعيشون في هشاشة وفقر وإقصاء وحرمان”، شريطة أن يستند أي إصلاح جديد إلى حوار اجتماعي جاد وبناء.
تصاعد القمع في خضم الأزمة: خطر داهم
في ظل الأزمة الراهنة، لجأت حكومات مختارة إلى نهجٍ مُقلقٍ من القوة والقمع، مستهدفةً على وجه الخصوص المنظمات النقابية البارزة. ويُعدّ المغرب مثالاً بارزاً على ذلك، حيث يجد قادة النقابات أنفسهم باستمرار في مرمى نيران السلطات. وخلال الاحتفالات والمسيرات المنظمة مؤخراً، اغتنم الاتحاد المغربي للشغل (UMT) الفرصة للتأكيد مجدداً على الأهمية الحيوية للاستجابة لمطالب النقابات. تُسلّط هذه المطالب، المتجذّرة في شرعيتها الراسخة المستمدة من كونها صوت القوى الإنتاجية في البلاد، الضوء على الأثر الشديد لتراجع القدرة الشرائية.
في بيان صحفي صدر مؤخراً، أكّد الاتحاد المغربي للشغل على الإقبال الكبير الذي شهدته المسيرات المتعددة التي نُظمت في مختلف مدن البلاد، بهدف تنبيه الحكومة إلى الطبيعة التمثيلية للمركز النقابي. وهدفت هذه الرسالة إلى تذكير السلطات بأن هذه التعبئة ما هي إلا مرحلة حاسمة في الطيف الأوسع من المطالب التي طرحها العمال المغاربة.
في فلسطين، أدان الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين مجددًا قيام قوات الاحتلال بإقامة حواجز جديدة لمنع العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم بأمان وحرية تامة. واستذكر المركز النقابي جميع المخاطر التي يتعرض لها العمال، الذين يضطرون، لعدم توفر أي وسيلة أخرى، إلى اللجوء إلى الوسطاء للعثور على عمل، مما يحرمهم من أبسط حقوقهم.
ودعا الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن إلى إعادة الحوار الاجتماعي بين