بعد مرور 76 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: هل ما زال المثل الأعلى عالمياً؟
هند بن عمار: “تراجع الحقوق والحريات النقابية مؤشر أساسي لوضعية حقوق الإنسان في المنطقة”
يصادف يوم 10 ديسمبر 2024 الذكرى السنوية السادسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو النص الأيقوني الذي أكد الحقوق غير القابلة للتصرف لكل فرد، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي شرط آخر. وتظل هذه الوثيقة الأساسية، التي تُرجمت إلى أكثر من 500 لغة، مصدر إلهام لتعزيز عالمية حقوق الإنسان.
اعتمد الإعلان من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر 1948، ولأول مرة يجب حماية الحقوق الأساسية في كل مكان في العال
ومن فلسطين إلى اليمن، مرورا بسوريا والعراق، يبدو مستقبل البشرية أكثر غموضا من أي وقت مضى، حيث تداس الحقوق الأساسية بشكل منهجي. وفقاً لمؤشر الحقوق العالمية لعام 2024 الصادر عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC)، والذي صدر في يونيو/حزيران، تستمر القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في التآكل بمعدل ينذر بالخطر. ويكشف هذا التقرير السنوي، الذي يقيم حقوق العمال وحالة الحريات النقابية، عن تدهور ملحوظ في سيادة القانون في عشرات البلدان. علاوة على ذلك، تم انتهاك الحق في الإضراب في 87% من 151 دولة تمت دراستها، مما يسلط الضوء على الاتجاه العام لتراجع الحقوق الاجتماعية والسياسية.
وحول نتائج مؤشر الاتحاد الدولي للنقابات، قالت هند بن عمار السكرتير التنفيذي للاتحاد العربي للنقابات “الحقوق والحريات النقابية جزء أساسي من منظومة حقوق الإنسان، وللأسف الشديد، فمنذ سنوات طويلة والمنطقة العربية تصنف ضمن البلدان الأكثر انتهاكا للحقوق النقابية رغم ما الدور الكبير الذي يلعبه العمال وممثلوهم في التنمية الاقتصادية في بلدانهم، هناك ارتداد واضح على الالتزامات الدولية المتعلقة بالحريات النقابية في كثير من البلدان العربية وحتى من البلدان ذات التقاليد العريقة في مجال العلاقات الاجتماعية، ونستعد خلال أيام لإطلاق التقرير السنوي للحقوق والحريات النقابية الذي يصدره الاتحاد العربي للنقابات وهو تقرير يثبت مجددا هشاشة منظومة حقوق الإنسان في أغلب البلدان العربية وضعف المؤسسات الضامنة لها، وهي وضعية طالت كثيرا وباتت تستوجب تصورات جديدة تنطلق من تحسيس النقابات للعمال بضرورة توجيه أصواتهم الانتخابية إلى من يلتزمون بالحقوق والحريات وضمن هذا الاطار أطلق الاتحاد الدولي هذه السنة حملة دولية بعنوان من أجل الديمقراطية بهدف تفادي تمدد اليمين المتطرف والأحزاب ذات الأطروحات الانفرادية والاقصائية”.
وتؤدي الصراعات المسلحة، التي تؤثر اليوم على أكثر من 110 دول وفقا لمؤشر السلام العالمي 2024، إلى تفاقم هذا الوضع. نزح أكثر من 84 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بسبب الحرب أو الاضطهاد، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتسلط هذه الأزمات الإنسانية، التي تؤثر على الفئات السكانية الأكثر ضعفا، الضوء على الفجوة المتزايدة بين المثل العليا المعلنة في عام 1948 والواقع المعاصر.
عدم المساواة: عقبة أمام عالمية الحقوق
وفي الوقت نفسه، تستمر أوجه عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية في التفاقم، مما يهدد الممارسة الفعالة لحقوق الإنسان. ووفقاً لتقرير منظمة أوكسفام لعام 2023، يمتلك أغنى 1% من الأفراد الآن ما يقرب من ضعف ما يمتلكه 99% من سكان العالم مجتمعين. ويؤدي هذا التركيز الشديد للثروة إلى تأجيج التوترات الاجتماعية وعدم المساواة في الحصول على الحقوق الأساسية مثل التعليم والصحة والسكن.
إن التعليم، الذي غالبا ما يعتبر أداة أساسية لتمكين الأفراد والمجتمعات، يوضح بوضوح هذا التفاوت. في عام 2024، تشير تقديرات اليونسكو إلى أن 244 مليون طفل وشاب سيظلون مستبعدين من نظام التعليم، وخاصة في البلدان الأكثر فقرا. إن هذه الأرقام المثيرة للقلق هي بمثابة تذكير بأن تكافؤ الفرص يظل هدفا بعيد المنال بالنسبة لملايين الأشخاص.
التحديات البيئية: تهديد جديد لحقوق الإنسان
تشكل التحديات البيئية تهديدا لحقوق الإنسان. يدفع تغير المناخ، من خلال تدهور الظروف المعيشية في العديد من مناطق العالم، ملايين الأشخاص إلى الهجرة أو مواجهة كوارث طبيعية متكررة ومكثفة بشكل متزايد. وفقا للبنك الدولي، بحلول عام 2050، يمكن أن يصبح أكثر من 216 مليون شخص لاجئين بسبب المناخ إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
ولهذه الظواهر تأثير مباشر على الحقوق الأساسية: الوصول إلى مياه الشرب والغذاء والسكن الآمن وظروف العيش الكريم. في عام 2024، حيث لا يزال 2.2 مليار شخص يفتقرون إلى الوصول الآمن إلى مياه الشرب، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وتؤدي هذه التفاوتات في المياه إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية والصراعات الداخلية، مما يوضح العلاقة الجوهرية بين حقوق الإنسان والاستدامة البيئية.
أسباب الأمل: تعبئة المواطنين والنقابات
وعلى الرغم من هذه التحديات، لا تزال أسباب الأمل قائمة. تتزايد تعبئة المواطنين للدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وفي عام 2023، ظهرت حركات اجتماعية واسعة النطاق للمطالبة بمزيد من العدالة الاجتماعية والديمقراطية واحترام الحريات الأساسية.
وتظهر هذه النضالات الوعي المتزايد بأهمية حماية وتعزيز الحقوق العالمية في مواجهة التهديدات المعاصرة. علاوة على ذلك، تواصل المبادرات الدولية، مثل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، تعزيز السياسات الرامية إلى الحد من عدم المساواة وضمان الحقوق الأساسية للجميع.