تضيق العديد من التشريعات على حق العمال في المفاوضة الجماعية، فما زال (الفصل 41) من قانون الشغل، يمنح كاتب الدولة للشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية (ممثل الحكومة) الحق بإلغاء أي اتفاقية جماعية سارية؛ أو إصدار قرار الموافقة بالقبول أو الرفض المعلل على الاتفاقية الجماعية لتسوية العلاقات بين أصحاب العمل والعمال بعد استشارة "المجلس الوطني للحوار الاجتماعي" وفقاً (للفصل 38) من مجلة الشغل، وعند رفض الموافقة على الاتفاقية فلا يمكن العمل بها حتى بين الأطراف المتعاقدين؛ ولم يحدد القانون المعايير المطبقة عملياً التي يتم من خلالها منح الموافقة على الاتفاقية الجماعية أو رفضها أو إلغائها من قبل كاتب الدولة.
ومن القيود التي تواجه الاتفاقيات الجماعية؛ منح الحكومة السلطة المفرطة في التدخل لإلغاء أو تعديل محتوى الاتفاقيات الجماعية التي أبرمها الشركاء الاجتماعيون بحرية، خلافاً لمبدأ التفاوض الحر والطوعي؛ ومنها شروط المراجعة لكامل أو جزء من الاتفاقية الجماعية المنصوص عليها في الاتفاق الجماعي الإطار لعام 1973 الذي يحكم القطاع غير الزراعي وفي جميع الاتفاقيات الجماعية القطاعية البالغ عددها (54 اتفاقية) والتي تغطي نحو (2 مليون) عامل؛ الى جانب ذلك فإن الأحكام التي تحدد الالتزام بتقديم الاتفاقيات الجماعية للموافقة المسبقة عليها من قبل السلطات لا تتوافق مع الاتفاقية (رقم 98).
وهناك قضايا تشريعية عامة وحالات من المضايقات والتدخلات النقابية تخالف أحكام (المادة 3) من الاتفاقية (رقم 87)؛ منها، اشتراط موافقة الوالدين على العضوية النقابية للقصر عندما يبلغوا سن العمل والذي يقيد ويحرم القصر من ممارسة حقوقهم النقابية على الرغم من إمكانية التحاقهم بالعمل في سن (16عام)؛ كما أن اشتراط الجنسية التونسية وتحديد السن بـ(20 سنة) لإدارة النقابة أو تسييرها، يحرم الأجانب شغل مناصب قيادية في النقابات العمالية.
انخرطت الحكومة التونسية في سياسة التضييق على العمل النقابي منذ نهاية سنة 2021 تقريبا، عبر سن مراسيم تضييقية على العمل النقابي والحوار الاجتماعي كالمرسوم 20 الذي وضع خصيصا للإجهاز على حق المفاوضة والمرسوم عدد 54 الذي يفتح الباب أمام تأويلات قانونية قد تضع ممثلي العمال في مواجهة السجن لخمس سنوات وبخطية مالية قدرها 15 الف يورو بسبب تصريح مطلبي أو بيان احتجاجي أو تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ب. التمثيل النقابي والحوار

على الرغم من الجلسة التأسيسية للمجلس الوطني للحوار الاجتماعي التي عقدت في تشرين ثاني 2018؛ بحضور رئيس الحكومة وعدد من الوزراء ورؤساء المنظمات الوطنية الثلاث، (الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، واتحاد الفلاحة والصيد البحري) بالإضافة إلى منظمة العمل الدولية؛ بهدف لتعزيز الحوار الثلاثي وديمومته ضمان شروط العمل اللائق؛ وقد مثل هذا المجلس فضاء للحوار بين أطراف الإنتاج الثلاث، لتكون بذلك تونس الأولى عربياً والثانية إفريقيا التي تعتمد هذه التجربة؛ إلا أن الواقع أثبت عدم فاعلية هذا المجلس لتحقيق الغاية التي تم تأسيسه من أجلها؛ ففي ظل الأزمة التي تمر بها الدولة التونسية نتيجة الجائحة وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتزايد مؤشرات انتهاكات الحقوق النقابية، يتواصل تغييب آلية الحوار الاجتماعي ضمن هذا المجلس رغم دعوات الاتحاد العام التونسي للشغل لاعتماد نهج الحوار سبيلا لتجاوز الازمة وكل التعقيدات التي تواجه البلاد.

ج. التمييز:

تناولت مجلة الشغل في (الفصل 5 مكرر) حظر التمييز على أساس الجنس، إلا أنه لم يتضمن سوا هذا الحكم بشأن التمييز، ولم يشير صراحة إلى مضامين أخرى من أشكال التمييز كـ (العرق، اللون، الدين، الأصل القومي، الرأي السياسي، والأصل الاجتماعي)، ولم يشمل جميع جوانب الاستخدام والمهنة؛ كما أنه لم يقدم عقوبات فعالة، وتعريف واضح لما يشكل تمييزاً مباشراً وغير مباشر في العمل؛ على غرار ذلك؛ فإن الأحكام التي وردت في الدستور الجديد، والتي تضمنت (المساواة بين المواطنين دون تمييز، وحق جميع المواطنين في ظروف عمل لائقة وأجر عادل، وتعهد الدولة بضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في جميع المجالات)؛ فلا تزال لا تتضمن بشكل صريح الحظر لأي تمييز على أساس غير الجنس، كما يلاحظ أن الدستور الجديد لا يوفر على ما يبدو الحماية من التمييز إلا "للمواطنين" فقط، خلافاً لما هو منصوص عليه في الاتفاقية (رقم 111).
اتخذت الحكومة مجموعة من التدابير لمكافحة عمل الأطفال؛ من بين جملة أمور، تم اعتماد خطة العمل الوطنية لمكافحة عمل الأطفال للفترة 2015-2020، وتنفيذ مشروع حماية الذي تنفذه منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وتنفيذ نموذج تجريبي لـ "نظام مراقبة عمل الأطفال"؛ وتبلغ نسبة الأطفال العاملين في تونس ممن تتراوح أعمارهم بين (5 و17 سنة) حوالي (7.9%)، منهم (75.9%) يعملون في أعمال خطرة؛ وتنتشر عمالة الأطفال بشكل خاص في المناطق الريفية، ومن بين كل واحد من أربعة يؤدي حوالي (24.6%) أعمالاً خطرة.[1]
وحظر قانون القضاء على العنف ضد المرأة (رقم 2017-58) العمل المنزلي للأطفال (دون سن 18 عام)، وأقر عقوبة السجن والغرامة للمخالف، ومضاعفتها في حالة التكرار؛ وعلى الرغم من ذلك، ففي الممارسة العملية هناك العديد من الأطفال يتعرضون، لا سيما الفتيات الصغيرات إلى الاستغلال الاقتصادي والى ظروف عمل غير لائقة؛ حيث يتم استخدامهن كخدم في المنازل دون عقود مكتوبة، ودون مراعاة الحد الأدنى لسن الالتحاق بسوق العمل وهو (16 عام)، ويعملن في المتوسط لمدة عشر ساعات تقريباً في اليوم وليس لديهن تغطية اجتماعية، ومعظم هؤلاء الفتيات يقضون أكثر من عامين في المتوسط مع نفس صاحب العمل ويؤدون أعمالاً منزلية في ظل ظروف خطرة أو ظروف ترقى إلى حد السخرة.[2]

من ناحية أخرى؛ وفقاً (للمادة) 63 من قانون التعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية (رقم) 94-28 يطالب من أرباب العمل الإبلاغ عن الحوادث المهنية أو حالات الأمراض المهنية في غضون ثلاثة أيام عمل، ومع ذلك فلا تتضمن تقارير التفتيش السنوية إحصاءات عن الحوادث والأمراض المهنية؛ وبينما تراجع جداول الأمراض المهنية التي يُدفع التعويض عنها كل ثلاث سنوات، والتي كانت آخر مراجعه لها عام 2017؛ إلا أن هذه القائمة لا تزال مقيدة للعوامل المرضية الناجمة عن التسمم بالرصاص أو الزئبق والإصابة بالجمرة الخبيثة التي يغطيها مخطط تعويض الأمراض المهنية، الأمر الذي يتطلب توسيع نطاق قائمة الأمراض المهنية لتشمل جميع العوامل المرضية المحتملة الناشئة عن هذه الأمراض، وأي أشكال غير نمطية أو جديدة.

اصدارات أخرى