
تعزيز نظم الحماية الاجتماعية الشاملة والسلامة والصحة المهنية في المنطقة العربية
يمثل الاتحاد العربي للنقابات، الذي يضم أكثر من خمسة ملايين عامل في 11 دولة عربية، قوة نقابية إقليمية ملتزمة بتعزيز الحماية الاجتماعية الشاملة وتكريس معايير السلامة والصحة المهنية لجميع العمال في المنطقة العربية. ويتوافق هذا الالتزام مع النداء الدولي من أجل عقد اجتماعي جديد يعيد بناء الثقة بين العمال والحكومات وأصحاب العمل، ويرتكز على احترام الحقوق الأساسية للعمال، وتوفير وظائف لائقة (بما في ذلك الوظائف الصديقة للمناخ)، وأجور معيشية، وحماية اجتماعية شاملة، والمساواة، والمشاركة في صنع القرار. وتعكس هذه المبادئ التزامات الأجندات الإنمائية العالمية، وعلى رأسها أهداف التنمية المستدامة، لاسيما الهدف 1.3 المتعلق بالحماية الاجتماعية، والهدف 8.8 المتعلق ببيئات العمل الآمنة. ويؤكد هذان الهدفان أن الحماية الاجتماعية وظروف العمل الآمنة ليستا امتيازات اختيارية، بل ركيزتان أساسيتان للعمل اللائق وكرامة الإنسان. وعلى المستوى العالمي، فإن الحاجة إلى التحرك العاجل باتت واضحة: ففي عالم يشهد ثروات متزايدة، لا يزال أكثر من 4 مليارات شخص محرومين من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية — أي ما يُعادل نصف سكان العالم تقريبًا. وفي المنطقة العربية، لا يتمتع سوى حوالي 40% من السكان بتغطية حماية اجتماعية واحدة على الأقل، ما يعني أن الأغلبية لا تزال دون حماية ضد المخاطر التي قد تواجهها على مدار الحياة. أما المنافع الاجتماعية الأساسية، فلا تصل إلا إلى أقلية: فعلى سبيل المثال، أقل من خُمس العاطلين عن العمل عالميًا يحصلون على إعانات بطالة، وثلث الأشخاص ذوي الإعاقة فقط يتلقون دعمًا مناسبًا. وفي الوقت نفسه، لا تزال بيئة العمل محفوفة بالمخاطر في العديد من الدول: حيث يُقدّر أن ما يقرب من 2.93 مليون عامل حول العالم يفقدون حياتهم سنويًا بسبب إصابات أو أمراض متعلقة بالعمل، فضلًا عن مئات الملايين من الإصابات غير القاتلة.
وإدراكًا لهذه الأزمة، أقرت منظمة العمل الدولية مؤخرًا بأن "بيئة العمل الآمنة والصحية تمثل حقًا ومبدأً أساسيًا من مبادئ العمل"، وهو ما يعزز من إلحاح مهمة الاتحاد العربي للنقابات في تحسين معايير الحماية الاجتماعية والسلامة المهنية في المنطقة العربية.
تعزيز دور النقابات والمفاوضة الجماعية
يشكّل تمكين النقابات العمّالية ركيزة أساسية في استراتيجية الاتحاد العربي للنقابات لتحقيق العمل اللائق. إذ تُمكّن النقابات القوية والمستقلة العمال من التعبير عن مصالحهم والمطالبة بمعاملة عادلة. ويعمل الاتحاد وأعضاؤه على تعزيز دور النقابات في المفاوضة الجماعية مع أصحاب العمل ومؤسسات الدولة. ومن خلال التفاوض الجماعي الفعّال، يمكن للنقابات أن تضمن تحسين الأجور، وتنظيم ساعات العمل، وتحسين شروط السلامة المهنية. ويُعد هذا المسار ضرورياً لمعالجة ما يُعرف بـ "اللامساواة الممنهجة" في الاقتصادات المعاصرة. ومن الجدير بالذكر أن 79% من بلدان العالم سجّلت انتهاكات لحق التفاوض الجماعي، ما يعكس حجم التحديات التي تواجه النقابات في الدفاع عن حقوق العمال. وفي هذا السياق، يعمل الاتحاد العربي للنقابات على تعزيز القوة المؤسسية للنقابات في العالم العربي، حتى تتمكن من التفاوض بفعالية أكبر، وتفعيل آليات تطبيق قوانين العمل، والدفع نحو المصادقة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وإدماج معايير حماية العمال في سياسات المؤسسات. كما يشمل تعزيز النقابات تحسين قدراتها الداخلية وحوكمتها الديمقراطية، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا لمصالح العمال في مختلف القطاعات، وخاصة الفئات الهشة مثل العمال المهاجرين والعاملين في القطاع غير الرسمي. وفي المحصلة، تُسهم حركة نقابية عربية قوية في إرساء توازن أكبر في علاقات العمل، بما يضمن قدرة العمال على ممارسة حقهم في التنظيم والتفاوض على أسس تحترم المعايير الدولية .التثقيف، التوعية، وتمكين العمال العامل المُطلع هو عامل مُمكّن. ولهذا، يدعم الاتحاد العربي للنقابات النقابات الأعضاء في تنفيذ برامج شاملة للتثقيف ورفع الوعي، تهدف إلى تعزيز معرفة العمال بحقوقهم وسبل المطالبة بها.
التعليم، التوعية، وتمكين العمال
تشمل هذه المبادرات التوعوية مواضيع مثل: ● الحقوق العمالية بموجب القوانين الوطنية؛ ● الاستخدام السليم لمعدات السلامة؛ ● الاستحقاقات المرتبطة بالحماية الاجتماعية؛ ● آليات الإبلاغ عن انتهاكات العمل. ومن خلال تعزيز الوعي، يسعى الاتحاد إلى تمكين العمال بمعلومات تساعدهم على الوقاية من الانتهاكات والحوادث قبل وقوعها. فعلى سبيل المثال، حينما يكون العامل على دراية ببروتوكولات السلامة وحقه في رفض العمل غير الآمن، فإن بيئة العمل تصبح أكثر أمانًا تلقائيًا. كذلك، فإن فهم برامج الحماية الاجتماعية — مثل التقاعد، والتأمين الصحي، وإعانات البطالة، وإجازات الأمومة — يُعزز قدرة العمال على المطالبة بالتسجيل في هذه الأنظمة والحصول على حقوقهم. وفي العديد من البلدان العربية، تُشكل العمالة غير الرسمية والعمال المهاجرون نسبة كبيرة من القوى العاملة، وغالبًا ما يكونون غير مطلعين على حقوقهم القانونية. ولهذا، تنفذ النقابات حملات توعية موجهة تشمل ورش عمل، ودورات تدريبية، ومواد إعلامية بلغات محلية ومبسطة، لتعريف هؤلاء العمال بسبل التسجيل في نظم الضمان الاجتماعي، وأهمية المساهمة في صناديق التقاعد، وآليات التظلّم في حال انتهاك الحقوق. ويُسهم هذا النوع من التمكين المعرفي في ترسيخ ثقافة الوقاية والمساءلة في بيئة العمل. إذ أن العامل الواعي بمعايير السلامة والحقوق المتوقعة، هو الأقدر على الإبلاغ عن الانتهاكات والمساهمة في معالجة المخاطر بالشراكة مع صاحب العمل. وبالتالي، فإن تركيز الاتحاد العربي للنقابات على التثقيف يُعتبر استراتيجية استباقية لبناء طلب جماعي من القاعدة العمالية على تحسين التغطية بالحماية الاجتماعية وتعزيز معايير السلامة والصحة المهنية. وعلى المدى الطويل، يُسهم هذا في بناء ثقافة عمل قائمة على الوقاية، وفي ترسيخ عقد اجتماعي جديد، تصبح فيه الحماية الاجتماعية وبيئة العمل الآمنة حقوقًا غير قابلة للتفاوض.
تعزيز الحماية الاجتماعية الشاملة
تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة — أي أن يحصل جميع الأشخاص على نوع من الحماية الاجتماعية طوال دورة حياتهم — يُعد أولوية قصوى للاتحاد العربي للنقابات في المنطقة العربية. وتشمل هذه الحماية ضمانات أساسية مثل: ● الرعاية الصحية؛ ● الأمن المالي لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة؛ ● دعم البطالة؛ ● إجازات الأمومة مدفوعة الأجر؛ ● مخصصات الأطفال. ومع ذلك، لا تزال المنطقة العربية تُعاني من قصور كبير في التغطية والتمويل. إذ لا تنفق حكومات الدول العربية، في المتوسط، سوى نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي على برامج الحماية الاجتماعية (باستثناء الرعاية الصحية)، وهو ما يُمثل نسبة ضئيلة مقارنةً بالمتوسط العالمي.
وتُسهم هذه المستويات المنخفضة من الإنفاق في اتساع فجوات التغطية: فكما سبق ذكره، ما يقرب من 60% من السكان لا يحصلون على أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية، ما يترك ملايين العمال وأسرهم في حالة هشاشة شديدة. وفي مواجهة هذا الواقع، ينشط الاتحاد العربي للنقابات في الدعوة إلى توسيع وإصلاح نظم الحماية الاجتماعية في مختلف الدول العربية. ومن خلال الحوار الاجتماعي والمشاركة في إعداد السياسات، يدعو الاتحاد إلى اعتماد أرضيات حماية اجتماعية وطنية شاملة، تماشيًا مع توصية منظمة العمل الدولية رقم 202 بشأن الأرضيات الاجتماعية، ومع المعايير الدولية ذات الصلة. ويعني ذلك ضمان حد أدنى من الحماية لجميع السكان، مثل دعم الدخل الأساسي للفئات الأكثر احتياجًا، وتوفير الرعاية الصحية الأساسية بشكل شامل. كما تدعو النقابات الأعضاء إلى تمديد التأمينات الاجتماعية لتشمل العاملين في القطاع غير الرسمي، الذين غالبًا ما يُشكّلون غالبية القوى العاملة في عدد من الدول العربية، لكنهم يُستثنون من المنافع الاجتماعية الرسمية. وفي السنوات الأخيرة، تحقق بعض التقدم: فقد أطلقت عدة بلدان برامج تحويل نقدي أو مساعدات بطالة خلال جائحة كوفيد-19، مما يدل على أن التغيير ممكن. ويستفيد الاتحاد من هذه التجارب للدعوة إلى اعتماد برامج قانونية دائمة بدلاً من التدابير المؤقتة. ويركّز الاتحاد أيضًا على شمولية التغطية — أي ضمان أن تشمل الحماية الاجتماعية النساء، والشباب، والعمال المهاجرين، والفئات المهمشة الأخرى، التي كانت تاريخيًا الأقل حظًا في الوصول إلى هذه الحقوق. فعلى سبيل المثال، يشدد الاتحاد على ضرورة أن تُزيل أنظمة الضمان الاجتماعي الحواجز التمييزية (كالتي ترتبط بالجنسية أو الجنس)، حتى يحصل جميع العمال — بغض النظر عن وضعهم القانوني أو نوع عملهم — على تغطية متساوية.
ويُطالب الاتحاد أيضًا برفع مستوى كفاية المنافع. ففي الوقت الراهن، حتى أولئك الذين يتمتعون بالتغطية، غالبًا ما يتلقون منافع لا تكفي لتأمين العيش الكريم. ولذلك، يدعو الاتحاد إلى توفير معاشات تقاعدية لائقة، وإعانات بطالة كافية تحمي فعليًا من الفقر. ومن خلال أوراق السياسات، والبحوث، والتفاوض المباشر، تقود النقابات التابعة للاتحاد حملات من أجل: ● تخفيض شروط الأهلية لمعاشات التقاعد؛ ● زيادة ميزانيات التقاعد العامة؛ ● إرساء أنظمة تأمين ضد البطالة في الدول التي تفتقر إليها. وتُنفذ هذه الجهود غالبًا بالتعاون مع شركاء دوليين، إذ يتماشى الاتحاد العربي للنقابات مع نداء الاتحاد الدولي للنقابات لتكريس الحماية الاجتماعية الشاملة ضمن إطار "العقد الاجتماعي الجديد". ومن خلال تعزيز هذه الحماية، يسعى الاتحاد إلى ضمان أن يتمتع كل عامل في المنطقة العربية بـأمن الدخل والرعاية الصحية على مدار حياته، بما يُسهم في الحد من الفقر وعدم المساواة
تعزيز السلامة والصحة المهنية في أماكن العمل
تمثل بيئة العمل الآمنة والصحية حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان. ويولي الاتحاد العربي للنقابات أولوية قصوى لتعزيز معايير السلامة والصحة المهنية (OSH) في جميع أنحاء المنطقة العربية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن أي عامل لا ينبغي أن يعرّض حياته أو صحته للخطر أثناء أدائه لعمله. وتؤكد بيانات منظمة العمل الدولية خطورة هذا التحدي: إذ تُسجَّل سنويًا قرابة 3 ملايين حالة وفاة ناجمة عن حوادث أو أمراض مهنية، فضلًا عن 395 مليون إصابة مهنية غير قاتلة في مختلف أنحاء العالم.
وفي يونيو 2022، اعتمد مؤتمر العمل الدولي رسميًا إدراج "الحق في بيئة عمل آمنة وصحية" ضمن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، إلى جانب حرية التنظيم النقابي، ومنع العمل الجبري، ومناهضة التمييز. وقد تبنّى الاتحاد العربي للنقابات هذا التطور، ويعمل على ترجمته إلى إصلاحات ملموسة في الدول العربية. التشريعات الوطنية والرقابة يركز الاتحاد على الدعوة إلى تقوية التشريعات الوطنية الخاصة بالسلامة المهنية وتفعيل آليات إنفاذها. ففي العديد من الدول العربية، لا تزال قوانين العمل بحاجة إلى التحديث فيما يخص السلامة، أو إلى توسيع نطاق التغطية ليشمل القطاعات المستثناة مثل الزراعة والعمل المنزلي. وتسعى النقابات الأعضاء في الاتحاد إلى: ● المصادقة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية الأساسية في هذا المجال، مثل: ○ الاتفاقية رقم 155 بشأن السلامة والصحة المهنية، ○ الاتفاقية رقم 187 بشأن الإطار الترويجي للسلامة والصحة المهنية؛ ● اعتماد سياسات وطنية شاملة للسلامة والصحة المهنية تنسجم مع هذه المعايير؛ ● الضغط على الحكومات لتوظيف المزيد من مفتشي العمل وتدريبهم، وتفعيل لجان وطنية للسلامة تضم ممثلين عن العمال، وفرض عقوبات رادعة على أصحاب العمل المخالفين. السلامة على مستوى المؤسسة والمفاوضة الجماعية من خلال المفاوضة الجماعية، تفاوض النقابات على تدابير وقائية خاصة بمواقع العمل، تشمل: ● توفير معدات الحماية الشخصية؛ ● تشكيل لجان مشتركة بين العمال والإدارة لرصد المخاطر ومعالجتها ميدانيًا؛ ● آليات فورية للإبلاغ عن الحوادث والاعتداءات؛ ● ومراعاة احتياجات العمال الأكثر عرضة للخطر (كالنساء، أو ذوي الإعاقة، أو المهاجرين). وتُعد التدريبات والتوعية من الركائز الأساسية في الوقاية من الحوادث المهنية. ولهذا يدعم الاتحاد برامج تدريب لممثلي العمال ليكونوا بمثابة "ضباط سلامة"، ويُشاركون في رصد ظروف العمل والتبليغ عن المخاطر. كما تنظم النقابات ورشات عمل تتناول: ● التعرف على مصادر الخطر؛ ● الاستخدام الآمن للآلات والمواد الكيميائية؛ ● حق العامل في الامتناع عن العمل غير الآمن. قضايا خاصة: الإجهاد الحراري وسلامة عمال البناء يقود الاتحاد أيضًا حملات متخصصة تتناول تحديات حرجة، مثل: ● الإجهاد الحراري في مواقع العمل المكشوفة بدول الخليج، والتي يُعد فيها التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة تهديدًا مباشرًا للصحة؛ ● سلامة مواقع البناء، وهي من أكثر القطاعات تسجيلًا للحوادث، ويعمل بها عدد كبير من العمال المهاجرين.
وقد أظهرت الدراسات أن معدلات الإصابات المهنية بين العمال المهاجرين في بعض الدول، مثل المملكة العربية السعودية، تفوق نظيراتها بين العمال المحليين بأربعة أضعاف. وتُبرز هذه التفاوتات الحاجة المُلحّة إلى توسيع الحماية لتشمل جميع العمال دون تمييز، بغض النظر عن الجنسية أو الوضع الوظيفي، وهو مبدأ يتمسك به الاتحاد بشدة. الخدمات الصحية المهنية والتأهب للأزمات
يتعاون الاتحاد كذلك مع أصحاب العمل والسلطات لتطوير خدمات الصحة المهنية، بما يشمل: ● الفحوصات الطبية الدورية؛ ● الدعم النفسي والصحة العقلية؛ ● برامج إعادة التأهيل للعمال المصابين. وقد أبرزت أزمة كوفيد-19 أهمية وجود أنظمة صحية ومهنية مرنة وقابلة للصمود. ويستغل الاتحاد هذه اللحظة للدعوة إلى إدخال تحسينات دائمة، مثل: ● تحسين التهوية والنظافة في أماكن العمل؛ ● إعداد خطط طوارئ للاستجابة للأوبئة والكوارث المستقبلية. الرسالة المركزية من خلال التركيز على السلامة والصحة المهنية، يسعى الاتحاد العربي للنقابات إلى: ● خفض عدد الحوادث والإصابات والأمراض المرتبطة بالعمل؛ ● ضمان عودة كل عامل إلى منزله سالمًا في نهاية كل يوم عمل؛ ● التأكيد على أن بيئة العمل الآمنة ليست رفاهية، بل حق أصيل من حقوق الإنسان والعمل اللائق؛ ● المساهمة في رفع الإنتاجية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز التنمية المستدامة.
الحوار الاجتماعي والتأثير في السياسات
يعتمد الاتحاد العربي للنقابات في منهجيته على قناعة راسخة بأن العمال يجب أن يكون لهم مقعد على طاولة صنع القرار. ولهذا، يضطلع بدور فاعل في الحوار الاجتماعي على المستويين الوطني والإقليمي، باعتباره وسيلة جوهرية لصياغة سياسات عمالية واجتماعية عادلة وفعّالة. ويُقصد بالحوار الاجتماعي تلك العمليات التفاوضية والتشاورية المنظمة بين الحكومات، وأصحاب العمل، وممثلي العمال، من أجل التوصل إلى تفاهمات وسياسات تتعلق بسوق العمل والضمان الاجتماعي. التمثيل في المنتديات الثلاثية يُيسر الاتحاد العربي للنقابات مشاركة النقابات الأعضاء في آليات الحوار الاجتماعي، مثل: ● المجالس الاستشارية العمالية الوطنية؛ ● لجان إصلاح الضمان الاجتماعي؛ ● منتديات تشاور السياسات الاجتماعية. ومن خلال هذا التمثيل، تُصبح أصوات العمال حاضرة في مناقشات أساسية تتعلق بـ: ● تحديد الحد الأدنى للأجور؛ ● إصلاح قوانين العمل؛ ● تصميم برامج الحماية الاجتماعية الجديدة. الحوار الإقليمي والسياسات العابرة للحدود على المستوى الإقليمي، يعمل الاتحاد بشكل وثيق مع هيئات مثل: ● منظمة العمل العربية؛ ● جامعة الدول العربية؛ ● اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا). ويشارك في حوارات متعددة الأطراف تُعالج قضايا تتجاوز الحدود الوطنية، مثل: ● تشغيل الشباب؛ ● حماية حقوق العمال المهاجرين؛ ● تنسيق معايير السلامة المهنية في المنطقة. ومن خلال أوراق الموقف والحملات النقابية، يُقدم الاتحاد مواقف موحدة تعكس تطلعات الحركة العمالية العربية، ويستند فيها إلى: ● معايير العمل الدولية؛ ● الممارسات الفضلى؛ ● الدروس المستفادة من التجارب المقارنة. السياسات الشاملة والعادلة يؤكد الاتحاد على أن السياسات يجب أن تكون: ● دامجة: لا تُقصي أي فئة، سواء كانت من اللاجئين، أو غير المواطنين، أو العاملين في الاقتصاد غير المنظم؛ ● مراعية للنوع الاجتماعي: تراعي احتياجات النساء العاملات من خلال: ○ تشريعات صارمة ضد التمييز؛ ○ سياسات صديقة للأسرة (إجازة الأبوة، دعم الحضانة)؛ ○ تفعيل اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 بشأن مناهضة العنف والتحرش في مكان العمل. ويُذكر أن معدل مشاركة النساء في القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يُعد الأدنى عالميًا، إذ لا يتجاوز 19% مقارنة بـ48% عالميًا، مما يُبرز الحاجة إلى إجراءات تصحيحية واعية وموجهة. بعد الجائحة: توسيع شبكات الأمان بعد جائحة كوفيد-19، دعا الاتحاد إلى ترسيخ تدابير الحماية الاجتماعية الطارئة وتحويلها إلى نظم دائمة، بدلًا من اقتصارها على ظروف الاستجابة السريعة. وقد تمحورت مطالب الاتحاد حول: ● بناء شبكات أمان اجتماعي شاملة؛ ● تأمين حد أدنى للدخل في حالات البطالة أو فقدان الدخل؛ ● تطوير نظام تأمين شامل للصحة والعجز والشيخوخة. تأثير العمال في السياسات: من الواقع إلى التغيير إن قدرة النقابات على نقل قصص وتجارب العمال الميدانية — مثل: ● الحوادث في المصانع؛ ● معاناة العاملين غير الرسميين من غياب التغطية الصحية؛ ● تحديات العاملات في العودة إلى العمل بعد الولادة — تُضفي طابعًا إنسانيًا وواقعيًا على الجدل السياساتي، وتُعزز الضغط من أجل الإصلاح. وبالتالي، فإن النهج التشاركي الذي يتبناه الاتحاد لا يثري جودة السياسات فحسب، بل يُعزز أيضًا التزام الدول بتنفيذ التزاماتها بموجب: ● أجندة 2030 للتنمية المستدامة؛ ● اتفاقيات منظمة العمل الدولية؛ ● إعلانات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية.
المساواة، عدم التمييز، والعدالة الاجتماعية
تقف جميع جهود الاتحاد العربي للنقابات على أساس متين من الالتزام بمبادئ المساواة وعدم التمييز في عالم العمل. ويؤمن الاتحاد بأن الحقوق العمالية يجب أن تُطبَّق على الجميع — رجالًا ونساءً، شبابًا وكبارًا، مواطنين ومهاجرين، عاملين رسميين وغير رسميين — دون أي تفرقة. فأي تمييز مبني على النوع الاجتماعي أو الجنسية أو العمر أو الوضع الاجتماعي لا يُعد فقط انتهاكًا للحقوق الأساسية، بل يُقوض أيضًا جهود التنمية ويضعف التماسك الاجتماعي. الفجوة الجندرية في سوق العمل لا تزال الفجوة بين الجنسين في التوظيف والأجور من أبرز أشكال التمييز في المنطقة العربية: ● تبلغ نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة حوالي 18–19% فقط، وهي النسبة الأدنى عالميًا؛ ● النساء العاملات غالبًا ما يحصلن على أجور أقل من الرجال لقاء نفس العمل؛ ● يواجهن حواجز قانونية وثقافية في التوظيف والترقية؛ ● وتُثقل كاهلهن مسؤوليات الرعاية غير المدفوعة (الأطفال، المسنين). يُواجه الاتحاد هذه الإشكاليات من خلال: ● دعم لجان المرأة في النقابات الأعضاء؛ ● إطلاق حملات للدعوة إلى المساواة في الأجر والعمل؛ ● المطالبة بقوانين تحظر التمييز في التوظيف والترقية؛ ● المطالبة بإجازات أمومة مدفوعة الأجر، ودعم خدمات الرعاية. كما يُعزز الوعي بمخاطر العنف والتحرش في أماكن العمل، ويدعو إلى اعتماد آليات وقائية ومنظومات للإبلاغ، بما يتماشى مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190. ويحرص الاتحاد أيضًا على تعزيز تمثيل النساء في القيادة النقابية، لضمان أن تعكس السياسات النقابية صوت العاملات وهمومهن. حقوق العمال المهاجرين يشكل العمال المهاجرون شريحة أساسية من القوى العاملة في عدد من الدول العربية، إلا أنهم: ● غالبًا ما يُواجهون ظروف عمل أشد خطورة (كما أظهرت بيانات الإصابات المهنية)، ● ويُستثنون من نظم الضمان الاجتماعي، ● ويُحرمون أحيانًا من حق التنظيم النقابي. يدافع الاتحاد العربي للنقابات عن حقوقهم من خلال: ● الشراكة مع اتحادات نقابية دولية؛ ● دعم الاتفاقيات الثنائية لحماية حقوق العمال عبر الحدود؛ ● المطالبة بـ قابلية تحويل منافع الضمان الاجتماعي بين البلدان؛ ● وإلغاء نظام الكفالة حيثما لا يزال قائمًا. كما يشدد على مبدأ المساواة في الحماية، ويدعو لضمان وصول العمال المهاجرين إلى العدالة، والرعاية الصحية، والسلامة المهنية. التمييز المرتبط بالعمر ووضع التوظيف يعاني الشباب في المنطقة من: ● معدلات بطالة مرتفعة جدًا؛ ● وظروف عمل هشة في الغالب (عقود مؤقتة، أعمال غير رسمية، أو وظائف رقمية بلا ضمانات). يعمل الاتحاد على: ● المطالبة ببرامج تشغيل موجهة للشباب؛ ● إدراجهم في نظم الحماية الاجتماعية منذ بداية مسارهم المهني. كما يدافع الاتحاد عن حقوق العمال في القطاع غير الرسمي، بمن فيهم: ● العاملون لحسابهم الخاص؛ ● أصحاب المشاريع الصغيرة؛ ● العاملون عبر المنصات الرقمية. وذلك من خلال: ● تبسيط إجراءات التسجيل في نظم الضمان الاجتماعي؛ ● وتوسيع نطاق تغطية قوانين العمل لتشمل جميع أشكال التعاقد. ويؤكد الاتحاد أن الحقوق الأساسية — مثل الأجر العادل، وبيئة العمل الآمنة، والحماية الاجتماعية — يجب ألا تعتمد على نوع العقد أو طبيعة التوظيف.
النقابات كجهات فاعلة في العدالة الاجتماعية يرى الاتحاد العربي للنقابات أن النقابات ليست فقط جهات تفاوضية، بل هي أيضًا فاعلون في تعزيز العدالة الاجتماعية والتماسك المجتمعي. فهي: ● توحد العمال بمختلف خلفياتهم؛ ● ترفع صوت الفئات الأشد هشاشة؛ ● وتنقل مطالبهم إلى دوائر صنع القرار. ومن خلال تنظيم العمال في القطاعات المهملة — مثل العمل المنزلي أو العمل الزراعي الموسمي — تُسهم النقابات في إدماج هؤلاء ضمن نظم الحماية والتمثيل. كما يروج الاتحاد لسياسات اقتصادية عادلة، مثل: ● الضرائب التصاعدية لتمويل الخدمات الاجتماعية؛ ● الاستثمار العام في خلق فرص العمل. ويتعاون بانتظام مع منظمات المجتمع المدني — مثل منظمات حقوق المرأة، ومجموعات الشباب، وجمعيات المهاجرين — لبناء تحالفات واسعة من أجل المساواة ومناهضة التمييز. نحو مستقبل عادل للعمال في المنطقة العربية يُجسد الاتحاد العربي للنقابات رؤية تنموية بديلة للمنطقة العربية، تضع الحماية الاجتماعية الشاملة والسلامة والصحة المهنية في صميم السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ومن خلال: ● تعزيز القوة التفاوضية للنقابات؛ ● تثقيف العمال بحقوقهم؛ ● توسيع نطاق الحماية الاجتماعية؛ ● المطالبة ببيئات عمل آمنة؛ ● المشاركة الفعالة في السياسات العامة؛ ● والدفاع عن المساواة والعدالة الاجتماعية؛ يسعى الاتحاد إلى ضمان عدم تخلّف أي عامل عن الركب. وتستند هذه الجهود إلى قناعة مفادها أن الحماية الاجتماعية والسلامة المهنية ليستا امتيازات أو منافع طوعية، بل هما حقوق إنسانية أصيلة وجزء لا يتجزأ من مفهوم العمل اللائق. كما أن تعميم هذه الحقوق لا يُسهم فقط في تحسين حياة الأفراد، بل يعزز أيضًا الإنتاجية، ويقوي التماسك الاجتماعي، ويدعم مسارات النمو الاقتصادي المستدام. إنها عناصر رئيسية لبناء مجتمعات شاملة واقتصادات مرنة في وجه الأزمات. وتتّسق مهمة الاتحاد العربي للنقابات مع الإطار الدولي للحقوق، ومع تطلعات الحركة النقابية العالمية نحو عقد اجتماعي جديد يعيد بناء الثقة من خلال: ● ضمان نصيب عادل لكل عامل من التقدم الاقتصادي؛ ● وضمان صوت فعّال له في صياغة شروط وظيفته وحياته المهنية.